تعتبر مسيرة العلماء والمفكرين من العناصر الأساسية التي تسهم في بناء الفكر الإنساني وتطوير المجتمعات،في خضم هذه الرحلة الغنية بالمعرفة، يظهر اسم الشيخ محمد بن صالح العثيمين، الذي ترك بصمة واضحة في عالم العلم والدعوة،إن تسليط الضوء على سيرته وإنجازاته يعكس أهمية التعلم والهيبة التي يكتسبها العلم في حياتنا اليومية،لذلك، سنتناول في هذا المقال بالتفصيل حياة ابن عثيمين، نشأته، تعليمه، إنجازاته وتأثيره في المجتمع من خلال فهم عميق لعقيدته وطرائق تدريسها.

من هو ابن عثيمين رحمه الله

محمد بن صالح العثيمين، المعروف بلقب أبي عبد الله، هو واحد من أبرز علماء السلف الصالح، نسج مسيرته التعليمية والدعوية وفق نهج أهل السنة والجماعة،كان له دورٌ فعال في نشر عقيدة التوحيد ودعوة الناس إليها، إذ ظل طوال حياته مدافعا عن الإسلام ومؤسسا لعلومه في المسجد الحرام، رغم ما واجهه من ظروف صحية.

نشأة ابن عثيمين

تبدأ قصة الشيخ ابن عثيمين بمولدٍ مبارك في السابع والعشرين من شهر رمضان في عام 1347 هجريًا، بمدينة عنيزة في المملكة العربية السعودية،نشأ في كنف أسرة متوسطة الحال، حيث كان والده يعمل في التجارة ولديه ثلاثة أشقاء وأخت واحدة،منذ طفولته، كان للبيئة المحيطة به تأثيرٌ كبير، حيث بدأ في تعلم القرآن الكريم على يد جده لأمه، الأب عبد الرحمن بن سليمان الدامغ، وبعد ذلك انتقل إلى تعلم الحساب والعلوم الشرعية.

بتشجيع من المجتمع المحيط به، قام ابن عثيمين بالتعلم في مجال العلوم الإسلامية، واستفاد بشكل كبير من مجالس كبار العلماء،وكان لشيخيه عبد الرحمن بن ناصر السعدي وعبد العزيز بن باز دورٌ بارز في تشكيل فكره،في عام 1372 هجريًا، التحق بمعهد الرياض العلمي، حيث قضى هناك عامين ساهمت في بلورة أساسيات تكوينه الفكري والعلمي، ثم انتقل للدراسة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

تجدر الإشارة إلى مشاركة ابن عثيمين في إذاعة القرآن الكريم السعودية، أين استضاف برنامج “نور على الدرب”، مما ساعده في نشر المعرفة وتعزيز دعوته.

عقيدة الشيخ ابن عثيمين

تميز الشيخ ابن عثيمين بعقيدته الثابتة والمبنية على أصول أهل السنة والجماعة، حيث كان يعبر عن هذه العقيدة في خُطبه ودروسه العامة،من خلال العديد من المحاضرات، كان يسعى لتوضيح معاني الدين وتعاليم الإسلام بشكل مبسط، مستشعرًا مسؤولياته كعالم ومربي للأجيال،كان يتبع منهج السلف الصالح في نشر العلم وإيضاح قضايا العقيدة للمسلمين.

تدريس ابن عثيمين

بدأ الشيخ العمل التدريسي في مدرسة عنيزة الكبيرة وهو لا يزال طالبًا ناشئًا في عام 1370 هجريًا، بعد ذلك، تعين في المعهد العلمي بالرياض بعد تخرجه في عام 1374 هجريًا،وأصبح إمامًا للجامع الكبير حيث كان يقوم بتدريس المواد الشرعية بتوجيه من شيخه عبد الرحمن بن ناصر السعدي،تطور لاحقًا عدد الطلاب الذين كانوا يتلقون العلم على يديه حتى بلغوا أكثر من 100 طالب في بعض الأحيان، مما يدل على مكانته الكبيرة في المجتمع.

استمر الشيخ في التدريس في المسجد النبوي والمسجد الحرام أيام رمضان وموسم الحج، بحيث استطاع الوصول لشرائح واسعة من المجتمع، وكان له أسلوب فريد يعتمد على المناقشة والتفاعل مع الطلاب

والذي ساعد على تنمية أفكارهم ووعيهم الديني.

إنجازات الشيخ ابن عثيمين العلمية

لقد أثرى ابن عثيمين المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات والكتب التي حققت شهرة واسعة،عمل على إنتاج دورات علمية شاملة تتناول الفقه والعقيدة، وقدم فتاوى شتى في مجالات متنوعة،قدم برامج إذاعية متخصصة، وتمتع بشعبية كبيرة نتيجة قدرته على تقديم المعرفة بطريقة سلسة وواضحة،ومن بين إنجازاته أنشأ موقعاً إلكترونياً خاصاً به لتوزيع محاضراته وفتاواه، ويعتبر ناجحاً في عطاءه العلمي طول مسيرته.

  • شغل منصب عضو في هيئة العلماء في المملكة منذ عام 1407هجريًا.
  • كذلك، عُيّن كعضو في مجلس كلية الشريعة وأصول الدين في جامعة الإمام محمد بن سعود.
  • كما تولى وضع ضوابط نشر كتبه ومؤلفاته لتصل لأوسع قاعدة من المستفيدين.
  • نظّم مؤتمرات متعددة لمناقشة قضايا شرعية واجتماعية مرتبطة بالإسلام.

مقومات الشيخ ابن عثيمين

اتصف الشيخ ابن عثيمين بالعديد من الصفات التي ميزته عن غيره من العلماء، مما جعله حاضراً في المجالس العلمية ومحبوباً بين الطلاب،كان يمتاز بالورع والأمانة والمستوى العالي من الأخلاق،بالإضافة إلى كونه محفزاً للطالبات والطلاب على طلب العلم، فقد دعا إلى التمسك بالعقيدة السليمة والسلوك القويم في الحياة اليومية.

  • بالإضافة إلى ذلك، كان يظهر التقدير للعلم ولطلابه دائمًا.
  • شارك في الكثير من الندوات والمحاضرات لتعزيز التواصل الفكري بين الناس.
  • كان يسعى لتشكيل محاضرات تدعو للرحمة والتسامح بين الأفراد.

أبناء الشيخ بن عثيمين ـ رحمه الله ـ

تزوج الشيخ محمد بن صالح العثيمين من امرأة واحدة، وأنجب منها ثلاثة بنات وخمسة أبناء، هم عبد الرحمن، عبد الله، عبد العزيز، إبراهيم، وعبد الرحيم،وقد أثرى كل منهم في مجالاتهم وشهدنا انخراط العديد من الأبناء في مجالات التعليم والمجتمع حيث أن موروث العلم والقيم كان راسخًا في أسرته.

وفاة الشيخ ابن عثيمين

انتقل الشيخ ابن عثيمين إلى رحمة الله في الخامس عشر من شهر شوال عام 1421 هجريًا، حيث ألقت جنازته الكثير من مشاعر الحزن من قبل الناس، وقد أديت صلاة الغائب عليه في جميع مدن المملكة مما يعكس محبته وتقديره في قلوب الناس،دُفن في مكة المكرمة وسط تكاتف الناس، مما يؤكد المكانة العالية التي كان يحظى بها وعمق أثره في حياة الآخرين.

بكل تأكيد، يُعتبر ابن عثيمين أحد أعظم العلماء الذين أثروا في مسيرة الإسلام، حيث عمل جاهدًا لهداية الناس ونشر المعرفة الشرعية،تبقى ذكراه ومؤلفاته علامة مضيئة في سماء العلم والدعوة، ليظل رائدًا في مجاله.