لا شك أن موضوع الصداقة يعتبر من أهم الموضوعات التي يمكن تناولها في مختلف المحافل والفعاليات الاجتماعية،فالعلاقات الإنسانية تشكل جزءًا أساسيًا من تركيبة المجتمع، ويعتبر الصديق أحد الأركان المهمة التي تدعم الفرد في مسيرته الحياتية،لذلك، فإن تقديم خطبة محفلية عن الصداقة تبرز أثر الصديق في حياة صديقه تُعد من القضايا المحورية التي تناقش في المناسبات العامة، سواء كانت حفلات تخرج أو مؤتمرات رياضية،إن أهمية الأصدقاء في توجيه الفرد نحو الصواب أو الخطأ لا يمكن إغفاله، فالأصدقاء يشكلون اللبنة الثانية في بناء مستقبل الإنسان بعد الأسرة.

بناءً على ذلك، نجد أن علماء التربية يؤكدون على أن العلاقات بين الأقران تلعب دورًا حيويًا في حياة الأطفال والشباب،إن الأصدقاء هم أول من يختاره الطفل في حياته، حيث يتعلم منهم ويعلمهم، وتتداخل ثقافات أسرهم المختلفة في ما بينهم،لذلك، في هذا السياق، سنقوم بتقديم خطبة محفلية عن الصداقة تستند إلى الجانب الإنساني الاجتماعي وتعاليم الدين الصحيحة التي تنير طريق العلاقات الإنسانية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشعر بشرف كبير في الوقوف أمامكم اليوم في هذا الحفل الذي يعد من أهم الحفلات في حياتي،أرى في وجوهكم براعم شابة تنير المستقبل وأهالي إفاضل هم القدوة في التعليم والمراحل الحياتية،نحمد الله تعالى على ما وصلنا إليه من إنجازات ونتوكل عليه فيما هو مقدر لنا في قادم الزمن، أما بعد…

أيها الأحبة، لقد خلق الله الإنسان فطره على الميل إلى الأصدقاء والرفاق تمامًا كما فطر الأمهات على حب ورعاية أبنائهن،ولقد وضع الله تعالى نظامًا طبيعيًا يساير حياة الإنسان، فالصديق يُعتبر مرآة لصديقه، حيث يتبادل الاثنان التأثير ويتشاركان تجارب الحياة معًا،وقد يكون للصديق تأثير عكسي أيضًا، لذا ينبغي للإنسان أن يتوحد بصحبة من يرغب في أن يصبح مثله.

لقد جاء الإسلام ليعلمنا كيفية اختيار الأصدقاء، فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ..،فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ” مما يعني أن اختيار الزوج أو الصديق ينبغي أن يكون قائمًا على القيم والمبادئ، فالصديق يشترك في وجهات النظر والعادات، لذا يجب أن ينور الصداقة ويكون مخلصًا.

إن اختيار الصديق هو عملية تحتاج إلى دقة وفهم، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم “الرجلُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم من يُخالِلُ”، وهذا يعني أن الفرد يتأثر بمعايير وسلوكيات من يختار أن يرافقه،وبالتالي، يجب على الإنسان أن يكون حذرًا ودقيقًا في اختيار أصدقائه، حيث أن هذه القرارات قد تؤثر بشكل عميق على مجرى حياته.

كما أشار الحديث النبوي إلى أهمية الصحبة الطيبة وأثرها في تصرفات الإنسان،فالصديق المؤمن يُعتبر رافعة روحية للأخرين، إذ يساعدهم على التغلب على المعوقات وتحقيق النجاحات،ومن هنا تأتي أهمية الوعي في اختيار الصديق، فالمؤمنون يشجعون بعضهم البعض على السير في المسار القويم.

لقد ظهرت إشارات عديدة في القرآن الكريم حول أهمية اختيار الأصدقاء،كما جاءت سورة الكهف لتسليط الضوء على الصداقة الحقيقية، حيث أشار الله عز وجل إلى ضرورة الالتقاء مع أصحاب القلوب النقية الذين يدعون ربهم في الصباح والمساء،وقد عبر الله تعالى عن هذه المعاني الحساسة بأسلوب مكثف يجسد أهمية الصحبة ومعاني الوفاء.

إن الإنسان يُقدر صحبته من خلال ما يحيط به، لذا يجب أن ينتبه إلى الجليس والرفيق الذي يختاره،وعندما نفكر في اختيار أصدقاء مؤثرين، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الإيجابيات والسلبيات،لذا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوضح هذا المؤشر بقوله “مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والجَلِيسِ السَّوْءِ”، مشبهاً الصديق الصالح بالتاجر الذي يبيع المسك، وصديق السوء بكير الحداد، مما يعكس أهمية الصداقات الكريمة في الحياة.

لا يمكننا أن نغفل كذلك عن دور الأهل في توجيه أبنائهم لاختيار الأصدقاء،إذ يُعتبر الوالدان نموذجًا يحتذي به الأبناء، ويجب أن يكون هناك تواصل دائم ومناقشة حول المعايير والأخلاقيات المرتبطة باختيار الأصدقاء،فبالحوار والمعرفة، يمكن أن يُساعد الآباء الأبناء في اتخاذ قرارات حكيمة تؤثر على مستقبلهم.

ختامًا، يجب أن نُدرك أن اختيار الأصدقاء ليس مجرد ترف، بل هو أحد الجوانب الأساسية التي تحدد من نحن وأين نذهب في هذه الحياة القصيرة،فلنحرص على مصاحبة من يمضون في طريق الخير فهذه الصحبة تُعد واحدة من أعظم النعم التي قد يرزقها الإنسان،أشكركم جميعًا على حسن استماعكم وأتمنى أن نكون قد استخلصنا الدروس المستفادة من هذه الخطبة حول الصداقة، وأسأل الله أن يحفظ أولادنا من صحبة السوء وأن يجمعنا بأصدقائنا القلوب النقية،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.