شعر تميم برغوثي عن فلسطين: كلمات تلامس القلب وصرخة حب لأرض الأجداد

تعتبر قصائد الشعراء من أبرز وسائل التعبير عن المشاعر والقضايا الهامة التي تمر بها الشعوب،ومن بين هؤلاء الشعراء، يبرز تميم البرغوثي كشاعر فلسطيني عبّر عن عاطفته تجاه وطنه فلسطين وعاصمتها الأبدية، القدس،برزت قصائد تميم كصوت صارخ يمثل معاناة الشعب الفلسطيني، حيث أنها تحمل في طياتها آلام الفراق والغربة والفقد،من خلال قصائده، يصور تميم الحزن والوجع الذي يشعر به أبناء شعبه، مذكرًا العالم بمأساة فلسطين التي لا تزال قائمة،في هذا المقال، سنستعرض أبرز قصائد تميم البرغوثي عن فلسطين، وسنقدم تحليلاً لأفكاره ومشاعره تجاه وطنه.

شعر تميم برغوثي عن فلسطين

من أبرز قصائد تميم البرغوثي التي تتعامل مع قضية فلسطين قصيدته الشهيرة “في القدس”، حيث يعبر فيها عن مشاعره العميقة حيال المكان الذي يحمل ذكريات مؤلمة وأملًا في العودة،في هذه القصيدة، يُسلط الضوء على الألم والحزن الذي يعتري الشاعر نتيجة الفراق عن وطنه، ويستعد لإلقاء القصيدة من خلال عرض ما كتب،دعونا نستعرض بعض الأبيات المهمة منها.

قصيدة في القدس

تم عرض هذه القصيدة لأول مرة عبر قناة أبوظبي، ضمن برنامج “أمير الشعراء”، حيث أثارت حماس الجمهور وأعادتهم إلى دواخل قضاياهم،يُظهر الشاعر من خلال أبياته كيف أن القدس تمثل جزءًا لا يتجزأ من قلب كل فلسطيني، ويرسم واقعًا مؤلما ولكنه قوي في الوقت نفسه.

البدء بالعاطفة

يفتتح تميم قصيدته بوصف حالته العاطفية تجاه القدس، ويعبر عن الحزن الذي يخيم عليه بسبب عدم قدرته على دخولها،في هذه الأبيات، يُصور تميم القدس كملجأ يهرب إليه من آلامه، ويخاطب نفسه بأنه ربما كان عدم دخوله لهذه المدينة خيراً له،إذ أنه يتأمل جمال القدس الذي لا يُنسى، ولا تفارق صورته عينيه.

مرَرْنا عَلى دارِ الحبيب فرَدَّنا عَنِ الدارِ قانونُ الأعادي وسورُها
فَقُلْتُ لنفسي رُبما هِيَ نِعْمَةٌ فماذا تَرَى في القدسِ حينَ تَزُورُها
تَرَى كُلَّ ما لا تستطيعُ احتِمالَهُ إذا ما بَدَتْ من جَانِبِ الدَّرْبِ دورُها
وما كلُّ نفسٍ حينَ تَلْقَى حَبِيبَها تُسَرُّ ولا كُلُّ الغِيابِ يُضِيرُها
فإن سرَّها قبلَ الفِراقِ لِقاؤُه فليسَ بمأمونٍ عليها سرُورُها
متى تُبْصِرِ القدسَ العتيقةَ مَرَّةً فسوفَ تراها العَيْنُ حَيْثُ تُدِيرُها

الصراع الإنساني

لاحقاً، يستعرض الشاعر الصراع الإنساني الذي يعاني منه، فهو يبرز التناقض بين حال المجتمع الفلسطيني وما يعيشه من هموم ومآسي، وبين الغريبة التي تعيش به،يتمثل ذلك في وصف تجار وأناس غرباء يديرون المدينة وكأنهم أصحابها، مشيراً إلى الظلم الذي يعاني منه أبناء المدينة الأصليين، وكيف أن وجودهم يعد بمثابة المقامرة في وطنهم.

في القدسِ، بائعُ خضرةٍ من جورجيا برمٌ بزوجته
يفكرُ في قضاءِ إجازةٍ أو في طلاءِ البيتْ
في القدس، توراةٌ وكهلٌ جاءَ من مَنْهاتِنَ العُليا
يُفَقَّهُ فتيةَ البُولُونِ في أحكامها
في القدسِ شرطيٌ من الأحباشِ يُغْلِقُ شَارِعاً في السوقِ،
رشَّاشٌ على مستوطنٍ لم يبلغِ العشرينَ

قُبَّعة تُحَيِّي حائطَ المبكَى
وسياحٌ من الإفرنجِ شُقْرٌ لا يَرَوْنَ القدسَ إطلاقاً
تَراهُم يأخذونَ لبعضهم صُوَرَاً
مَعَ امْرَأَةٍ تبيعُ الفِجْلَ في الساحاتِ طُولَ اليَومْ

استبداد القدس

يُسلط تميم الضوء على قسوة الاحتلال، ويرسم صورة مؤلمة عن مظاهر الاستبداد والقهر الذي تعاني منه المدينة المقدسة،فإنك تجد أن الاحتلال استخدم أبشع وسائل الظلم دون أي احترام لمقدسات أو حقوق أهل البلاد، ويُظهر من خلال الأبيات كيف أن الظلم يعمق جراح الفلسطينيين في عاصمتهم.

في القدسِ دَبَّ الجندُ مُنْتَعِلِينَ فوقَ الغَيمْ
في القدسِ صَلَّينا على الأَسْفَلْتْ
في القدسِ مَن في القدسِ إلا أنْتْ
وَتَلَفَّتَ التاريخُ لي مُتَبَسِّماً
أَظَنَنْتَ حقاً أنَّ عينَك سوفَ تخطئهم، وتبصرُ غيرَهم
ها هُم أمامَكَ، مَتْنُ نصٍّ أنتَ حاشيةٌ عليهِ وَهَامشٌ
أَحَسبتَ أنَّ زيارةً سَتُزيحُ عن وجهِ المدينةِ يابُنَيَّ
حجابَ واقِعِها السميكَ لكي ترى فيها هَواكْ
في القدسِ كلًّ فتى سواكْ

التاريخ وفلسطين

يتحدث الشاعر عن التاريخ بصفته شاهداً على حقيقية هامة، إذ يخاطب كاتب التاريخ ليُثبِت أن القدس ستبقى تمتلك جذورها الفلسطينية،وكأن تميم يُشعر المستمع بتجربة الارتباط العميق التي تجمع الفلسطينيين بمدينتهم التاريخية، مهما جرت محاولات لإنكار هذا الحق،فهل يمكن للزمان أن يُخفف من وطأة جرح ابناء القدس

وهي الغزالةُ في المدى، حَكَمَ الزمانُ بِبَيْنِها
ما زِلتَ تَرْكُضُ خلفها مُذْ وَدَّعَتْكَ بِعَيْنِها
فًارفق بِنَفسكَ ساعةً إني أراكَ وَهَنْتْ
في القدسِ من في القدسِ إلا أَنْتْ
يا كاتبَ التاريخِ مَهْلاً، فالمدينةُ دهرُها دهرانِ
دهر أجنبي مطمئنٌ لا يغيرُ خطوَه وكأنَّه يمشي خلالَ النومْ
وهناك دهرٌ، كامنٌ متلثمٌ يمشي بلا صوتٍ حِذار القومْ
والقدس تعرف نفسها،
فإسأل هناك الخلق يدْلُلْكَ الجميعُ
فكلُّ شيئ في المدينةِ ذو لسانٍ، حين تَسأَلُهُ، يُبينْ
في القدس يزدادُ الهلالُ تقوساً مثلَ الجنينْ
حَدْباً على أشباهه فوقَ القبابِ
تَطَوَّرَتْ ما بَيْنَهم عَبْرَ السنينَ عِلاقةُ الأَبِ بالبَنينْ

يستمر تميم البرغوثي في رسم واقع المدينة ليعبر عن جمالها وثقل معاناتها، مُبرزاً البعد الروحي والوطني الذي تتمتع به،لا يقتصر الأمر على الحماية والتاريخ بل يشمل أيضاً جميع تشكُّلات الجمال التي تجعل من القدس أيقونة الأمل والتحدي.

وصف الشاعر للقدس

القدس في عيون تميم ليست مجرد مدينة، بل هي رمز للروحانية، يُعتبر جبل المكبر وقبة الصخرة والشوارع القديمة رمزًا لهذه الهوية الفريدة،لذا، يعتبر أن الجمال الذي تحمله القدس يتجاوز الحدود الجغرافية، ويمنح ذكرى قوية لأهله،من خلال وصفاته، نتعرف على نقاء المدينة، مشاعر سكانها والمجتمعات التي تعيش بها، مع طموحاتهم المليئة بالأمل.

في القدس أبنيةٌ حجارتُها اقتباساتٌ من الإنجيلِ والقرآنْ
في القدس تعريفُ الجمالِ مُثَمَّنُ الأضلاعِ أزرقُ،
فَوْقَهُ، يا دامَ عِزُّكَ، قُبَّةٌ ذَهَبِيَّةٌ، تبدو برأيي،
مثل مرآة محدبة ترى وجه السماء مُلَخَّصَاً فيها
تُدَلِّلُها وَتُدْنِيها، تُوَزِّعُها كَأَكْياسِ المعُونَةِ في الحِصَارِ لمستَحِقِّيها
إذا ما أُمَّةٌ من بعدِ خُطْبَةِ جُمْعَةٍ مَدَّتْ بِأَيْدِيها
وفي القدس السماءُ تَفَرَّقَتْ في الناسِ تحمينا ونحميها
ونحملُها على أكتافِنا حَمْلاً، إذا جَارَت على أقمارِها الأزمانْ
في القدس أعمدةُ الرُّخامِ الداكناتُ
كأنَّ تعريقَ الرُّخامِ دخانْ
ونوافذٌ تعلو المساجدَ والكنائس،
أَمْسَكَتْ بيدِ الصُّباحِ تُرِيهِ كيفَ النقشُ بالألوانِ،
وَهْوَ يقول “لا بل هكذا”،
فَتَقُولُ “لا بل هكذا”،
حتى إذا طال الخلافُ تقاسما
فالصبحُ حُرٌّ خارجَ العَتَبَاتِ لَكِنْ
إن أرادَ دخولَها
فَعَلَيهِ أن يَرْضَى بحُكْمِ نوافذِ الرَّحمنْ

مملوك القدس

تعودنا على رؤية القدس كرمز للتاريخ والإرث، وهنا يستدعي تميم شخصية الظاهر بيبرس، ليظهر لنا كيف أن التاريخ يسجل النضال في سبيل استرداد الأرض، ويدرك أيضًا أن المقاومة ليست مجرد كلمات بل هي أفعال تترجم إلى واقع على الأرض.

في القدس مدرسةٌ لمملوكٍ أتى مما وراءَ النهرِ،
باعوهُ بسوقِ نِخَاسَةٍ في إصفهانَ لتاجرٍ من أهلِ بغدادٍ أتى حلباً
فخافَ أميرُها من زُرْقَةٍ في عَيْنِهِ اليُسْرَى،
فأعطاهُ لقافلةٍ أتت مصراً، فأصبحَ بعدَ بضعِ سنينَ غَلاَّبَ المغولِ وصاحبَ السلطانْ

تتجلى لنا الفكرة المحورية في قدرة الإنسان على استعادة هويته، مهما كانت التحديات،وهذا يُعطينا الأمل في أننا نستطيع استرداد كل ما فقدناه، وأن الحرية هي حق مشروع لا يتوقف عند الحدود.

أوصاف من قلب الشاعر

لا يُمكن أن تكتمل لوحة القدس دون الاستماع إلى رائحة شوارعها، التي يصفها تميم بأنها ذات لغة تعكس تنوع الحضارات التي مرت بها،يكشف لنا عن جهة من السلام الذي عاش فيه الناس على مر العصور، وكيف تنمو العجائب في كل ركن من أركان المدينة.

في القدس رائحةٌ تُلَخِّصُ بابلاً والهندَ في دكانِ عطارٍ بخانِ الزيتْ
واللهِ رائحةٌ لها لغةٌ سَتَفْهَمُها إذا أصْغَيتْ
وتقولُ لي إذ يطلقونَ قنابل الغاز المسيِّلِ للدموعِ عَلَيَّ “لا تحفل بهم”
وتفوحُ من بعدِ انحسارِ الغازِ، وَهْيَ تقولُ لي “أرأيتْ!”
في القدس يرتاحُ التناقضُ، والعجائبُ ليسَ ينكرُها العِبادُ،
كأنها قِطَعُ القِمَاشِ يُقَلِّبُونَ قَدِيمها وَجَدِيدَها،
والمعجزاتُ هناكَ تُلْمَسُ باليَدَيْنْ
في القدس لو صافحتَ شيخاً أو لمستَ بنايةً
لَوَجَدْتَ منقوشاً على كَفَّيكَ نَصَّ قصيدَةٍ
يابْنَ الكرامِ أو اثْنَتَيْنْ

قتلى القدس

يستعرض الشاعر تأثير الأحداث الجارية في القدس على الأجيال الناشئة، ويحاول توضيح مشاعر الأطفال وعائلاتهم خلال هذه الأحداث المرعبة،تظل قائمة الشهداء حاضرة، ومعاناة الناس مرسومة بشكل واضح على ملامح القدس.

في القدس، رغمَ تتابعِ النَّكَباتِ، ريحُ براءةٍ في الجوِّ، ريحُ طُفُولَةٍ،
فَتَرى الحمامَ يَطِيرُ يُعلِنُ دَوْلَةً في الريحِ بَيْنَ رَصَاصَتَيْنْ
في القدس تنتظمُ القبورُ، كأنهنَّ سطورُ تاريخِ المدينةِ والكتابُ ترابُها
الكل مرُّوا من هُنا فالقدسُ تقبلُ من أتاها كافراً أو مؤمنا
أُمرر بها واقرأ شواهدَها بكلِّ لغاتِ أهلِ الأرضِ
فيها الزنجُ والإفرنجُ والقِفْجَاقُ والصِّقْلابُ والبُشْنَاقُ
والتاتارُ والأتراكُ، أهلُ الله والهلاك، والفقراءُ والملاك،
والفجارُ والنساكُ، فيها كلُّ من وطئَ الثَّرى
أرأيتها ضاقت علينا وحدنا
يا كاتب التاريخِ ماذا جَدَّ فاستثنيتنا
يا شيخُ فلتُعِدِ الكتابةَ والقراءةَ مرةً أخرى، أراك لَحَنْتْ

حديث الشاعر والقدس

تمتلئ أعين الشاعر بالدموع وهو يتحدث عن ذكرياته في القدس، مقدماً حديثًا مؤثراً عن الحنين والفراق،وعندما يسمع نداء المدينة، يُظهر لنا الأمل الذي لا يزال يتجدد في قلوب الفلسطينيين.

العين تُغْمِضُ، ثمَّ تنظُرُ، سائقُ السيارةِ الصفراءِ
مالَ بنا شَمالاً نائياً عن بابها والقدس صارت خلفنا
والعينُ تبصرُها بمرآةِ اليمينِ تَغَيَّرَتْ ألوانُها في الشمسِ، مِنْ قبلِ الغيابْ
إذ فاجَأَتْني بسمةٌ لم أدْرِ كيفَ تَسَلَّلَتْ للوَجْهِ
قالت لي وقد أَمْعَنْتُ ما أَمْعنْتْ
يا أيها الباكي وراءَ السورِ، أحمقُ أَنْتْ أَجُنِنْتْ
لا تبكِ عينُكَ أيها المنسيُّ من متنِ الكتابْ
لا تبكِ عينُكَ أيها العَرَبِيُّ واعلمْ أنَّهُ
في القدسِ من في القدسِ لكنْ لا أَرَى في القدسِ إلا أَنْتْ

من هو تميم البرغوثي

علمنا من قصائد تميم البرغوثي أنه ليس مجرد شاعر عادي، بل هو تجسيد لواقع الشعب الفلسطيني،وُلد تميم في عام 1977 في القاهرة، وهو ابن الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي والروائية رضوى عاشور،حصل على بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة الأمريكية، وحصل لاحقًا على الدكتوراه من جامعة بوسطن،منذ صغره، تأثر بوالده وأصبح مهتمًا بالشعر، حيث بدأ الكتابة في سن مبكرة للغاية.

في عام 1998، تمكن تميم من العودة إلى فلسطين، حيث أقام أمسية شعرية هامة هناك، تلاها نشر مجموعة شعرية باللغة الفلسطينية العامية،بعد مغادرته مصر في عام 2003 بسبب معارضته للغزو الأمريكي للعراق، كتب قصيدة معبرة عن حبه لوطنه، مما زاد من شهرته.

ختامًا، يعتبر تميم البرغوثي صوتًا قويًا لفلسطين، حيث تجلت مشاعره في كل بيت من قصائده،عبر هذه الكلمات، نستشعر الحزن والأمل، ونبوءة العودة، لتبقى عناوين فلسطين في قلوب كل متألم ومحب لحرية الوطن،نأمل أن يكون هذا العرض قد ساهم في تعزيز فهمكم لجوانب معاناة فلسطين وأهمية شعر البرغوثي في التعبير عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *