تُعتبر سويسرا واحدة من الدول الأوروبية ذات الطابع الفريد التي تجمع بين الثقافة العريقة والتقدم الاقتصادي، وهذا يجعلها محط اهتمام الكثيرين،من المعروف أن الدول عمومًا تحتاج إلى قوات مسلحة لحماية حدودها والدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية،ومع ذلك، يبرز تساؤل مقبول لماذا لا تمتلك سويسرا جيشًا تقليديًا كما تفعل معظم الدول الأخرى هذا الموضوع يدعو إلى استكشاف مفهوم الجيش السويسري وأسباب غيابه الظاهر، مما يجعلها حالة فريدة جدًا بين الدول،سيتناول هذا المقال العوامل التاريخية والثقافية والسياسية التي ساهمت في تشكيل الهوية الدفاعية لسويسرا.

لماذا سويسرا ليس لها جيش

تعتبر سمة الحياد من أبرز ما يُعرف به تاريخ سويسرا، وهي ظاهرة فريدة في السياسة الدولية،على الرغم من انتشار الاعتقاد بأن سويسرا دولة بلا جيش، إلا أن هذا غير صحيح تمامًا،فقد أُسست القوة العسكرية السويسرية على برامج تدريبية ومنظومات دفاعية قوية،ولكن ما هي الأسباب الجوهرية التي جعلتها تُعرف بهذا الشكل سنستعرض في السطور التالية العديد من النقاط التي توضح ذلك.

  • تُعتبر سويسرا دولة حيادية، وهذا الأمر قد ساهم بشكل كبير في تقليل الحاجة إلى التدخل العسكري في النزاعات الدولية، مما يجعلها تطمح نحو السلام والاستقرار.
  • حرصت سويسرا على الحفاظ على حيادها حتى في أوقات الأزمات العالمية مثل الحربين العالميتين، وهو ما زاد من سمعتها كدولة محايدة وآمنة.
  • عدم انتمائها إلى الاتحاد الأوروبي يعطيها استقلالية في اتخاذ قراراتها السياسية والدفاعية، مما قد يُفسر غياب الحاجة إلى جيش كبير.
  • تحتفظ سويسرا بسرية معلومات عملائها، مما يعزز من سمعتها كوجهة آمنة للاستثمار والراحة المالية.
  • بالرغم من عدم وجود جيش تقليدي كبير، إلا أن التقاليد العسكرية العريقة في البلاد تضفي على الجيش السويسري سمات القوة والبسالة عبر العصور.
  • تفتقر سويسرا لعاصمة مركزية أو رئيس جمهورية، حيث تدير شؤون البلاد مجلس مكون من سبعة وزراء، يُختار واحد منهم ليكون بمثابة الرئيس الفعلي.
  • تُعتبر سويسرا من الدول الثرية في أوروبا، حيث تسجل واحدة من أعلى الرواتب في العالم، إذ يتجاوز راتب بعض الموظفين 120,000 يورو سنويًا.
  • تتكون القوات المسلحة السويسرية من حوالي 9,000 جندي، يتم تدريبهم بشكل جيد، مما يجعل قدرتهم الدفاعية قوية عند الحاجة.
  • يُعد التجنيد الإجباري جزءًا من النظام العسكري في سويسرا، حيث يتطلب المواطنون الحضور إلى الخدمة العسكرية، مما يعكس الالتزام الوطني بالاستعداد لأي تهديدات.
  • تهتم سويسرا بالتحضير لأي تهديد خارجي، حيث يُعتبر امتلاك الأسلحة والخطط الدفاعية أمرًا مهمًا لاستمرار الحياد والدفاع عن السيادة.
  • على الرغم من قوة جيشها، فإن انخراطها في الحروب يكون فقط للدفاع عن حدودها الداخلية وصيانة السلام العام، مبتعدة عن التصعيدات العسكرية.

سياسة سويسرا الحيادية

تُعتبر سياسة الحياد واحدة من القواعد الذهبية في العلاقات الدولية، التي ساهمت في توضيح أسباب عدم ظهور الجيش بصورة تقليدية،تاريخيًا، اتخذت سويسرا خطوات لتأكيد وضعها كدولة محايدة،لنلق نظرة على بعض النقاط المحورية التي ساهمت في ذلك

  • تم الاعتراف رسميًا بحياد سويسرا في مؤتمر فيينا لعام 1815، ولكنها أعلنت عن حيادها منذ عام 1647.
  • شهدت سويسرا صراعات داخلية قبل عام 1848، لكنها أثناء تلك الفترة عملت على استقرارها واستعادة هيبتها.
  • في عام 1848، تم إدخال تعديلات على النظام السياسي، مما ساهم في تعزيز المبادئ الليبرالية واستقرار الحكومة البرلمانية.
  • تعتبر سويسرا من الأعضاء المؤسسين في الاتحاد السويسري الذي تضمن دمج عدد كبير من الكانتونات المختلفة.
  • تم التعزيز من الهيكلية الإدارية والسياسية لتعزيز الحياد، والابتعاد عن الحروب.
  • عقدت مفاوضات دولية وأسست ممارسات دبلوماسية تجعلها عنصرًا فعالًا في جهود السلام دون الحاجة للانخراط في الحروب.
  • في عام 1953، شاركت في مهام السلام الدولية بشرط عدم الانخراط في القتال أو النزاعات المسلحة.
  • أعلنت في عام 2001 موقفها بأن جيشها ينبغي أن يكون معدًا فقط للدفاع عن البلاد.

مما يتكون الجيش السويسري

يتطلب فهم حالة الجيش السويسري الاطلاع على مكوناته وبنيته التنظيمية،فسويسرا ليست فقط مجرد دولة بلا جيش، بل لديها نظام عسكري متطور يستعد لأي طارئ

  • تتألف غالبية سكان سويسرا من مليون نسمة يتحدثون أربع لغات رسمية، وهي الألمانية، الفرنسية، الإيطالية، والرومانية.
  • تشمل المجموعات العسكرية جميع الفئات العمرية بدءًا من سن 19 عاماً، وتنتمي نسبة معينة من الجنود إلى الفئات العليا في العمر.
  • تسمح القوات المسلحة للنساء بالتطوع في صفوف الجيش، حيث يُلزم الرجال بأداء الخدمة العسكرية بدءًا من سن 18.
  • يتم تدريب نحو 20,000 شخص سنويًا على استخدام جميع أنواع الأسلحة للمشاركة في حفظ الأمن المحلي والدولي.
  • يتكون الجيش من 48,000 جندي، و44,000 جندية، مما يدل على إشراك العنصر النسائي في المجال العسكري.
  • تمتلك سويسرا القدرة على استقطاب حوالي 3.6 مليون شخص من مختلف الأعمار عند الحاجة للحفاظ على أمنها.
  • هناك أيضًا تشكيلات مسلحة تعرف باسم “الميليشيات” بالإضافة إلى الجيش النظامي، مما يزيد من تنوع القوة العسكرية.
  • تتمتع سويسرا بقوات بحرية ذات تدريب عالٍ، رغم عدم وجود سواحل بحرية على أراضيها.

في الختام، تُشكل سويسرا نموذجًا مثيرًا للدراسة في سياق الدفاع والسلام،رغم الاعتقاد الشائع بأنها دولة بلا جيش، فإن هذا الأمر بعيد عن الحقيقة تمامًا،العسكريون السويسريون يعتبرون حماة للبلاد، ولكنهم يعملون وفق قواعد الحياد والدفاع عن الوطن فقط،لذا، فإن قدرة سويسرا على تحقيق التوازن بين الاحتفاظ بقوة عسكرية وتجنب النزاعات تجسد حكمة سياسية تجعلها دولة رائدة في الحفاظ على السلام والرفاهية في أوروبا.