في عالم الأدب والفلسفة، يتألق اسم شمس التبريزي كأحد الشخصيات المميزة التي تحتل مكانة خاصة في قلوب العديد من المثقفين والمهتمين بالتصوف،منذ زمن بعيد، أصبحت أعماله وأقواله مواد مثيرة للجدل، وموضوعات حية للنقاش والنقد،تعود شهرة شمس التبريزي إلى ما قدمه من فكر عميق، وعلاقة فريدة مع الشاعر جلال الدين الرومي، الذي أثر عليه بشكل كبير،في هذا البحث، سنستعرض معًا حياة شمس التبريزي وأفكاره، وكذلك العلاقة التي ربطته بالرومي.
من هو شمس التبريزي
شمس التبريزي، اسمه الكامل هو شمس تبريز محمد بن عليّ بن ملك دَادْ، يُعتبر أحد أبرز الشخصيات في التاريخ الفلسفي والروحاني،عاش بين عامي 1185 و1248 ميلادي في مدينة تبريز الإيرانية، التي تعد واحدة من أكبر مدن إيران،كان شمس التبريزي متصوفًا، يعتنق مذهب الإمام الشافعي، وكان هدفه الأسمى هو محبة الله وفهم عمق الحب الذي يرفع الإنسان إلى مصاف القرب من الخالق،عُرفت علاقته بجلال الدين الرومي بتأثيرها العميق على كلا الشخصين، حيث ساهمت في تصعيدهما نحو المزيد من المحبة الإلهية.
كان للرائعين شراكة فكرية وروحية، ولم يتمكن الفراق من ضمّ شملهم إلا بوفاة شمس التبريزي الغامضة،اختلاف الآراء حول سبب وفاته والتي تتنوع بين القتل والاختفاء تضيف لغزاً إلى حياته، ما يجعله شخصية بارزة في التاريخ الأدبي.
عرف شمس التبريزي بأنه كان متحررًا من قيود الطوائف الفلسفية، وينظر إلى الفلاسفة على أنهم يضيعون أوقاتهم في أمور لا تؤدي إلى معرفة حقيقية،إذ كان يؤمن بأن القلب هو المصدر الحقيقي للفهم والمعرفة.
عناصر البحث
- مقدمة حول شمس التبريزي.
- أقوال شمس التبريزي وما تعكسه من رؤيته للعالم.
- حياة شمس التبريزي وزهده.
- العلاقة الوثيقة بين شمس التبريزي وجلال الدين الرومي.
- تنقلات شمس التبريزي وأثرها على فكره.
- أشهر مؤلفاته وأفكاره، بما في ذلك ديوانه وقواعد العشق الأربعون.
- وفاته وما يحيط بها من غموض.
أقوال شمس التبريزي
تتضح فلسفة شمس التبريزي من خلال أقواله التي تتناول مواضيع الروح والحب الإلهي،على سبيل المثال، يقول “الجهاتُ الستُّ نور الله، والفيلسوفُ الغِرُّ قد بقيَ فوق سبعِ سماواتٍ حيرانَ بين الفضاء والخلاء”،هنا، يعبر شمس عن اعتقاده بأن الفلاسفة يتيهون في تفكيرهم ولا يصلون إلى ذروة الاحساس الروحي، مشيرًا إلى أن القلب هو المدخل الحقيقي لفهم الأمور الخفية،في قول آخر، يناقش أهمية القلب بالقول “الفيلسوفُ يصبحُ مُنكِرًا، أي أنَّ كلَّ ما لا يعرفهُ عقلهُ لا يكونُ له وجود”.
نستنتج من هذه الأقوال الاتجاهات الأساسية لفكر التبريزي، حيث كان يميل إلى أهمية ما يراه القلب في سبيل الوصول إلى معرفة أعمق بالمحبة الإلهية،إن القدرة على إدراك الأنوار الإلهية تأتي فقط من خلال القلب، لذا يعتبر شمس أن الملازمة الروحية مع الله تتم عبر التسليم الداخلي والتوجه العاطفي إليه.
حياة شمس التبريزي
إن دراسة حياة شمس التبريزي تظهر مدى زهادته وانخراطه في أعماق الروحانية،كان شخصًا متواضعًا يفضل العزلة والتأمل عن حياة الترف،كان يرتدي أحيانًا ملابس خشنة، لكنه أيضًا اختار في بعض الأوقات لباسًا فاخرًا يتناسب مع فكرته عن الجمال،كانت صفاته تعكس جوهر تخليه عن المظاهر الخارجية واهتمامه بجوهر الروح.
شخصية شمس لم تكن تقليدية، بل كانت دائمًا غير مألوفة،وقد جذبت صفاته الفريدة انتباه جلال الدين الرومي، الذي رأى فيه شريكًا روحيًا ومتعلمًا يدعوه للارتقاء إلى أعلى مراتب المحبة،لقد كانت علاقتهما نموذجًا أعلى لتبادل الروحانيات والمعرفة، حيث كانت تجسد الفهم الكوني للعشق الإلهي.
العلاقة بين شمس التبريزي وجلال الدين الرومي
من أهم المراحل في حياة شمس التبريزي هي العلاقة مع جلال الدين الرومي،بدأت هذه العلاقة الفريدة حين التقيا في 26 جماد الآخر 642 هجريًا، أثناء شراء شمس للسُكر في قونية،جذب مظهر شمس التبريزي انتباه الرومي، وبدأت بينهما صداقة مبنية على تفهم عميق ومحبة حقيقية.
حظيت هذه العلاقة بعمقها الروحي، حيث كان كل منهما يعبر عن حب الله والفهم الإلهي بشكل مفعم بالعاطفة والروحانية،تطرقت العديد من الأحاديث بينهما إلى قضايا فلسفية عميقة، وقد جرت مناقشات بمستويات مختلفة من الإدراك الروحي،كان الرومي يرحب بفهم شمس للأمور، مما أدى لتغيير جذري في مسار حياتهما الأدبية.
تنقلات شمس التبريزي
لم يكن شمس التبريزي مقيدًا بحياة مستقرة،عُرف عنه التنقل بين المدن المختلفة مثل دمشق، حلب، وبغداد،أطلق عليه لقب “شمس الطيار”، حيث كان يحمل رسالة المحبة الإلهية أينما ذهب،خلال تنقلاته، كان له تأثير عميق على من التقى بهم، بما في ذلك الأطفال الذين كان يقوم بتعليمهم بتواضع.
التعليم كان جزءًا لا يتجزأ من حياته، حيث رفض الحصول على أي أجر مقابل تعليمه،عبر تجاربه المتعددة، كان الأساس الذي بُنيت عليه العديد من أفكاره الفلسفية والروحية،كان يسعى دائمًا لنشر الوعي والمعرفة، ولذا اشتهر بشكل واسع.
أشهر مؤلفات وكتابات شمس التبريزي
لشمس التبريزي العديد من المؤلفات التي تُعبر عن عمق أفكاره،من أهمها “أنا والرومي”، و”مرغوب القلوب”، و”ديوان شمس التبريزي”، الذي يتضمن مجموعة من قصائد الحب والحكمة،كان ديوانه وسيلة عظيمة للتعبير عن مشاعره وتجربته الروحية، حيث يحتوي على حوالي 42000 بيتًا شعريًا،على الرغم من أن مؤلفاته لم تحظَ بشهرة مؤلفات جلال الدين الرومي، إلا أنها تحمل قيمة فكرية وروحية غنية.
قواعد العشق الأربعون
من أبرز ما اشتهر به شمس التبريزي هو “قواعد العشق الأربعون”،هذه القواعد تلخص العديد من تعاليمه وأفكاره حول الحب الإلهي،جرت رواية هذه القواعد بواسطة الكاتبة التركية أليف شفق، التي سلطت الضوء على تأثير شمس على الرومي،القواعد تدور حول الوصول إلى الحقيقة من خلال القلب، وفهم الحب من جميع جوانبه.
إن أبرز النقاط التي تتضمنها هذه القواعد تتعلق بأهمية تجارب الحب، قدرة القلب على الفهم، ودور الإيمان في تحقيق الخلود الروحي،إن هذه التعاليم تحمل عبرًا عميقة تتجاوز الزمن، مساعدة للناس على تحقيق السلام الداخلي والمحبة في حياتهم.
وفاة شمس التبريزي
تظل وفاة شمس التبريزي محاطة بالغموض، حيث تدور حولها شائعات وتكهنات متنوعة،يؤمن البعض بأنه تم قتله بسبب الحقد والغيرة من أعدائه الذين لم يتمكنوا من تحمل نجاحه وتأثيره،في حين يُعتقد أن البعض الآخر قد تكون لهم وجهات نظر مختلفة تتعلق بموته،وقد عُرف أنه كان متحدثًا عن اختفائه المفاجئ.
بعد اختفائه، عانى جلال الدين الرومي من حزن عميق، حيث بدأ يبحث عن صديقه ويعرض المكافآت لمن يبلغه عنه،كان يبحث بشغف حتى أنه وضع عباءته الثمينة على رجل حكى له عن رؤية لشمس،بعد رحيل شمس، ترك أثرًا عميقًا في قلوب العديدين، وقد تجلّى ذلك في أعمال الرومي الأدبية، حيث تمثل العلاقة بين الاثنين تجليات الحب الإلهي،يظل السؤال حول هويته، “من هو شمس التبريزي” مطروحًا، في ظل غموض لم يُحسم حتى اليوم.
وبهذا، يتضح أن شمس التبريزي هو أحد التجليات الحية للفكر الروحي، حيث تمثل حياته وفلسفته نموذجًا للبحث المستمر عن المعرفة الحقيقية والحب،إن الرسالة التي خلفها تبقى حليفة للإنسانية في سعيها لفهم الذات والعالم من حولها.