مدينة بيت لحم في فلسطين: جوهرة التاريخ وثقافة التسامح والإبداع
تُعد مدينة بيت لحم واحدة من أشهر المدن الفلسطينية والمعروفة على مستوى العالم، فهي تحمل تاريخًا عريقًا وثراءً ثقافيًا ودينيًا يجعلها محط أنظار الزوار من مختلف البلدان،على الرغم من التحديات الكبرى التي تواجهها المدينة بسبب الاحتلال، إلا أن ذلك لم يقلل من مكانتها التاريخية والدينية، بل زاد من رغبة الناس في التعرف عليها وزيارتها،سنقوم في هذا المقال بتقديم معلومات شاملة حول مدينة بيت لحم، تشمل تاريخها، وسكانها، ونشاطاتها الاقتصادية والثقافية، ونتمنى أن يلقي ذلك الضوء على الهوية الفريدة لهذه المدينة.
سبب تسمية مدينة بيت لحم في فلسطين
مدينة بيت لحم تتسم بأهميتها التاريخية والدينية، مما يجعلها تجذب الانتباه، فهي تقع بين مدينتي الخليل والقدس في منطقة تكثر فيها الجبال والهضاب، مما يعطيها طابعًا جغرافيًا مميزًا،تتميز المدينة بموقعها الجغرافي الدقيق، حيث تقبع عند دائرة عرض 31.42 شمالاً وخط طول 35.12 شرقاً،يُشير العديد من المصادر التاريخية إلى أن اسم “بيت لحم” يعود أصله إلى كلمة “بيت إيلو لاهاما” في اللغة الكنعانية، والتي تعني “بيت الإله لاهاما” أي إله الطعام، مما يعكس ارتباط المدينة بمعاني الخصوبة والإنتاج الزراعي،كما يرتبط اسم المدينة بعدة أسماء تاريخية ومفاهيم عبر الحضارات المختلفة، مما يزيد من غموض ورونق تسميتها.
الكنعانيون هم من سكنوا بيت لحم منذ أقدم الأزمنة، حيث تُرجح الأبحاث أن ذلك يعود لأكثر من 2000 عام قبل الميلاد،تتابعت بعد ذلك العديد من القبائل الأخرى على المدينة، مما أدى إلى ظهور صراعات على الحكم نتيجة لرغبة كل قبيلة في الاستيلاء عليها،تعتبر اليهود من بين القبائل الكنعانية البارزة التي نشأت في تلك الفترة، لكن لا يُمكن الربط بينها وبين الصهيونية الحالية من أي منظور تاريخي أو ديني.
تم استعادة مدينة بيت لحم من قِبل الفلسطينيين في القرن الحادي عشر قبل الميلاد بعد فترة من الصراعات، وقد تولى الملك داود إدارة المدينة بعد ذلك،ومع مرور الزمن، عادت المدينة لتدخل في طاعة الحكم الروماني الذي شهد إعادة بناء بعض المعالم مثل القلعة التي بناها هيرودوس،كما يعد بناء المعبد للإله أدونيس أمرًا مهمًا أيضًا في تلك الفترة.
من المعروف أن هيرودس كان يخشى من اندثار معالم المسيحية، لذلك قام ببناء العديد من الهياكل المعمارية وأهمها كنيسة المهد، بعد أن سمح الإمبراطور قسطنطين بحرية الأديان في عام 314 ميلادي.
عدد سكان مدينة بيت لحم
شهد عدد السكان في بيت لحم تغيرات كبيرة عبر السنوات،في عام 1922، أظهرت الإحصاءات أن عدد سكان المدينة وصل إلى 6658 نسمة، وما لبث أن زاد العدد في إحصائية 1931 ليبلغ 7320 نسمة،ومع مرور الزمن، زاد عدد السكان تدريجياً، حيث بلغ حوالي 25266 نسمة في عام 2007 وفقًا لأحدث الإحصاءات المتوفرة.
النشاط الاقتصادي للمدينة
تتجلى في بيت لحم فاعلية القطاعات الاقتصادية بشكل واضح، حيث اشتهرت المدينة بالكثير من الحرف التقليدية والمصنوعات اليدوية التي تمتاز بالجودة العالية،تشمل هذه المصنوعات المشغولات الخشبية والصدفية والقطع التذكارية، علاوة على أعمال التطريز التي تحظى بشهرة كبيرة وتستخدم بشكل أساسي كن souvenirs للحجاج الذين يزورون المدينة،كما يدعم النشاط السياحي في المدينة الاقتصاد المحلى، إذ يعد من المصادر الأساسية للدخل القومي للمدينة، حيث تتواجد فيها العديد من المعالم الدينية والأثرية.
مع ازدياد حركة السياحة، اتجه الكثير من السكان نحو العمل في هذا القطاع، الأمر الذي زاد من نسبة العاملين فيه إلى نحو 28% من إجمالي السكان،هذا التطور يعكس التحول الإيجابي الذي طرأ على حياة الناس في المدينة.
النشاط الثقافي للمدينة
لطالما كان التعليم جزءًا أساسيًا من الثقافة في مدينة بيت لحم، حيث شهدت المدينة بدايات التعليم النظامي قبل أكثر من 200 عام،تم تأسيس العديد من المدارس الحكومية والخاصة لتلبية احتياجات السكان التعليمية،وحتى عام 1978، كان هناك 31 مدرسة تضم أكثر من 8300 طالب وطالبة، مما يعكس التزام المجتمع بالتعليم وتنمية المعرفة.
الأماكن التاريخية ببيت لحم
تضم بيت لحم مجموعة من المعالم التاريخية والدينية التي تعكس تاريخها العريق،من أبرز هذه المعالم كنيسة المهد، والتي تُعتبر من أقدم الكنائس التي أُقيمت منذ الرؤية المسيحية، حيث تم تشييدها بعد اعتناق المسيحية من قبل الرومان في عهد الإمبراطور قسطنطين عام 324 ميلادي،كما أسست الملكة هيلانة الكنيسة في عام 335 ميلادي، لتصبح المركز الرئيسي للعبادة في المدينة.
كنيسة المهد
تعد كنيسة المهد مركزًا روحيًا يتوافد إليه المؤمنون من حول العالم،تضم الكنيسة رموزًا دينية فاخرة، بما في ذلك أيقونات وصور للقديسين،تم استخدام الرخام الأبيض لتزيين أرضياتها، مما يجعلها منارة جمال وهدوء.
دير ابن عبيد
تم بناء هذا الدير عام 500 ميلادي بالقرب من قرية العبيدية، ويعتبر من المعالم المهمة في المدينة،يشهد العديد من الزوار على جمالية العمارة وقدسية المكان.
مغارة الحليب
تعد مغارة الحليب مكانًا تاريخيًا يُعتقد أنها المكان الذي أرضعت فيه السيدة مريم طفلها عيسى حينما هربت من جنود هيرودس،تقع المغارة بالقرب من كنيسة المهد في الجزء الجنوبي الشرقي.
دير الجنة المقفولة
أنشئ دير الجنة المقفولة في عام 1901، وهو يتميز بجمال تصميمه ومنظره الخلاب وسط الطبيعة،تديره الراهبات حتى يومنا هذا، مما يعكس الحياة الدينية والنشاط النسائي في المدينة.
مسجد بلال (قبر راحيل)
يعتبر هذا المسجد من أقدم المساجد التقليدية في المدينة، وله مكانة خاصة لدى المسلمين والمسيحيين واليهود،يُعتقد أنه موقع دفن راحيل، زوجة يعقوب -عليها السلام-، وقد أُقيمت على أساسه عمارة عثمانية حديثة.
برك سليمان
أصبحت برك سليمان رمزًا للأماكن التاريخية التي تحكي العديد من قصص المسلمين والمسيحيين،تُظهر الهندسة المعمارية القديمة، وتُعتبر من المعالم التي تُجذب الزوار من مختلف البلدان.
كذلك، تضم المدينة الكثير من المعالم الأثرية الأخرى، مثل آبار النبي داود، ودير مار سابا، وغيرها من الأماكن التي تحكي عن تاريخ المدينة العريق وتضمن لها استمرار مكانتها التاريخية.
من خلال هذا المقال، قدمنا لكم نبذة عن مدينة بيت لحم، المدينة التي تُعتبر رمزًا تاريخيًا ودينيًا،الآثار التي تحتفظ بها المدينة، بالإضافة إلى النشاطات الاقتصادية والثقافية، تعد جزءًا من التراث الإنساني، ونأمل أن تكون هذه المعلومات قد أفادتكم وأثارت اهتمامكم بزيارة المدينة للاستمتاع بتاريخها الحي وجاذبيتها الفريدة.