سعد بن معاذ الصاحبي العظيم: الذي اهتز لموته عرش الرحمن في لحظة وقفت فيها السماء شهيداً لمكانته العالية
سعد بن معاذ وما أدراك ما سعد معاذ!.،هو الصحابي الجليل الذي اهتز لموته عرش الرحمن، واحد من أعلام الصحابة، وكبير من كبار الأنصار، وفارس وبطل من فرسان الإسلام وأبطاله، وهو سيد الأوس قبل الإسلام، اسمه “سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس” أوسي أنصاري أشهلي، أمه كبشة بنت رافع، كنيته أبو عمرو،كان له دورٌ بارز في نشر الإسلام ودعوة قومه، الأمر الذي جعل له مكانةً عظيمة بين الصحابة،وقد ارتبطت حياته بأهم الأحداث التاريخية في الإسلام.
كان إسلام سعد بن معاذ يومًا عظيمًا تقر له أعين المؤمنين؛ فقد أسلم الصحابي الجليل على يد أول سفير لرسول الله صلى الله عليه وسلم- في الإسلام، سيدنا مصعب بن عمير، والذي أرسله رسول الله عليه الصلاة والسلام- إلى يثرب كي يدعو أناسها وساداتها إلى دين الله السمح، فضيف مصعبَ بن عمير سيدُ الأوس سعد في داره حتى يكمل ما بدأه في يثرب، وقد دخل الإيمان قلبه لما سمع من سفير رسول الله مقالته، ثم قال سعد لقومه
“كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تسلموا فأسلموا”
.،فأسلم قومه أجمعون،وقد كان سعد رضي الله عنه من خيرة رجال الأنصار، وفي إسلامه بركة،ولما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخى بينه وبين سيدنا سعد بن أبي وقاص _خال النبي_، وقيل سيدنا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وكلاهما من المبشرين بالجنة، وتبدل اسم يثرب بعدها إلى المدينة المنورة.
وأما عن غزواته مع رسول الله فقد شهد رضوان الله عليه غزوات عظام مع رسول الله عليه الصلاة والسلام- أبدى مواقف فيها تمنى كبار الصحابة لو كانوا يبدون أمثالها؛ ففي غزوة بدر الكبرى خرج المسلمون لملاقاة الكفار عند بئر بدر.،وكانت العادة عند رسول الله عليه الصلاة والسلام- أن يستشير أصحابه في أمور الحرب وامتثالًا لقول الله سبحانه
“وشاورهم في الأمر”
فلما وقف رسول الله في مجلس الشورى يستفتي الناس في الخروج على عير أبي سفيان لما علم بقدومها، خرج سعد يقول
“قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به الحق، وأعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك فينا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله”.
وقد حمل سيدنا سعد في تلك الغزوة العظيمة غزوة الفرقان- التي فرقت بين الحق والباطل لواء الأوس،وأما في غزوة أحد فقد شهدها كذلك سيدنا سعد بن معاذ مع رسول الله، وأبلى فيها بلاء حسنا، وثبت ممن ثبتوا مع رسول الله،كما أنه شهد مع رسول الله غزوة الخندق، والتي رُمي فيها الصحابي الجليل بسهم قد قطع الأكحل منه، وكان الرامي رجل يدعى “حبان بن العرقة” وهو رجل من قريش.
ويُروى أن سعد بن معاذ لما خرج في غزوة الخندق مر على أمه في درع خارجة ذراعه منها وحربة في يده، فخافت عليه، فأصاب سعدَ السهمُ، وحين رُمي سعد بن معاذ بالسهم قال “اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا، فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي من أن أجاهدهم فيك من قوم آذوا نبيك وكذبوه وأخرجوه،اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة”.
وبعد غزوة الخندق الأحزاب- دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلى قتال بني قريظة، وذلك لأنهم نقضوا عهدهم مع المسلمين، ثم تحالفوا مع كفار قريش في الخندق،كان موقف سعد بن معاذ مع بني قريظة موقفًا عظيمًا، ذلك حين حاصر المسلمون يهود بني قريظة لفترة بلغت خمسة وعشرين يومًا، إلى أن أعياهم الحصار وشُقت عليهم أنفسهم فطلبوا السلام وارتضوا أن يحكم فيهم سعد بن معاذ آملين فيه الخير إذ كان حليفهم في الجاهلية ويعرفون مروءته، ويستبشرون بحلمه، وحينها أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلى سعد بن معاذ حتى حضر وهو محمول على حمار، وقد أهلكته الجراح، فقال له رسول الله
“يا سعد، أشر عليّ في هؤلاء”، فقال له سعد “لو وليت أمرهم، لقتلت مقاتلهم، وسبيت ذراريهم”، فرد رسول الله صلى عليه الله وسلم “والذي نفسي بيده، لقد أشرت عليّ فيهم بالذي أمرني الله به”، فمضى الحكم فيهم.
جاءت وفاة سعد بن معاذ بعد أن حكم في بني قريظة حكمه، وقد حمل الناس سعد إلى خيمة قد أنشأها له رسول الله صلى الله عليه وسلم- كي يستطب بها ويعوده فيها، وقد كواه رسول الله بالنار مرتين لعل جرحه يندمل غير أن يد سعد قد انتفخت، ولا يزال سعد بن معاذ يتألم من جرحه وحكم الله ماض في بني قريظة حتى قُتل آخر رجل منهم فانفجرت يد سعد بالدماء حتى مات، وكأن الله عز وجل- أبر بقسمه يوم الخندق، وقد قام رسول الله إليه وعانقه وحزن عليه حزنًا عظيمًا كما حزنت عليه سائر الصحابة وقتها.
دُفن سعد بن معاذ -رضي الله عنه- في البقيع وشهد دفنه وغسله رسول الله وكبر عليه وكبر على إثره المسلمون، وأُنزل سعد في قبره، وكان ممن أنزله ابن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ وكذلك أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة وسلكان بن سلامة، وقال رسول الله حينها “تضايق القبر على صاحبكم وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا سعد بن معاذ”.
مات سعد بن معاذ الصحابي الجليل الذي حمل نعشه الصحابة فلم يشعروا بثقل جسده ووجدوه خفيفا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم
“إن له حملة غيركم والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد واهتز له العرش”
ولما قدمت أمه ندبت ابنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
“كل نادبة كاذبة، إلا نادبة سعد بن معاذ”
رضي الله عن سعد الذي مات في العام الخامس من الهجرة، وعمره سبعة وثلاثون عامًا، والذي أسلم وعمره ما يقارب الثلاثين، وترك من الأولاد عمرو بن سعد وعبد الله،وأما عن صفته رضوان الله عليه فإنه كان رجلًا حسن الوجه، أبيضه، طويل البنية، جميل اللحية، وكانت عيناه واسعتين.
ومما روي أن رجلًا يدعى أكيدر بن عبد الملك قد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم- هدية ثوبًا من ديباج مطرزًا عليه خيوط من ذهب، فلما رآه الصحابة أعجبهم وأخذوا يستحسنون رقته ولينه، فقال لهم رسول الله
“مناديل سعد في الجنة أحسن من هذا”
لقد عاش صاحب رسول الله هذا زمنا في الجاهلية سيدًا شريفًا في قومه، بطلًا من أفذاذهم، كما عاش بطلًا في الإسلام، فارسًا مغوارًا، صائب الرأي، لو أقسم على الله لأبره، وستبقى سيرته رضوان الله عليه خالدة ما بقي الزمان، باقية في صفحات الإسلام، يتعلم منها الدارسون، ويستلهم منها العابدون، وقدوة حسنة لذوي الرأي والحكمة، ولمن يريد أن تكون له العزة بالإسلام.
في ختام ما تم ذكره، تتضح لنا المكانة العظيمة التي كان يتمتع بها سعد بن معاذ في قلوب الصحابة وفي المجتمع الإسلامي،نأمل أن تساهم هذه المعلومات في تعزيز فهمنا لمسيرة هذا الصحابي الجليل، الذي ترك أثرًا خالدًا في تاريخ الإسلام،فلتكن سيرته نهجًا لنا جميعًا، نتعلم منه الصبر والشجاعة والإخلاص،نسأل الله أن يجمعنا معه ومع الصحابة أجمعين في جنات الفردوس.